رجل الصمت
على أخواتي الله يرحمهم... مقدرتش أعارضك ... قال والده في نظرة حزينة _ أنا عارف أني فرضت عليك زي ما عملت مع أخواتك...بس كمان فاكر أنك في الفترة دي كنت تايه وحزين لشيء مش راضي تقوله لمخلوق!.....أنت الوحيد اللي مكنتش هجبرك...لو رفضت مكنتش هعترض ....! رد وجيه بتنهيدة حارة مثقله بالهموم _ أنا مش عايز اتكلم في اللي فات....كفاية لحد كده... ارتاح والده لأغلاق هذا الحديث الذي يغمره بالندم ...وتساءل في أكثر شيء يشغل باله مؤخرا _ عملت إيه في الموضوع اللي قولتلك عليه وضع وجيه يديه في جيب بنطاله في ثقة ثم استدار قائلا وهو يستند بظهره على الحائط _ تصريح القافلة الطبية جاهز....بس لسه الشباب مايعرفوش عنه حاجة...أتمنى ما يكشفوش اللي ورا موضوع القافلة ... عبس وجه العجوز وقال بقلق _ بنات أبني مصطفى الله يرحمه لازم يجوا يعيشوا معايا هنا بأي طريقة .... ويسامحوني...ده حتى رفضوا مقابلة حد فينا السنين اللي فاتت... إلا أنت يا وجيه تنهد بأسى وهو يزم شفتيه بوجوم.... ثم أضاف _ وكل اللي عرفته أنهم سابوا البلد اللي كانوا عايشين فيها وراحوا قرية جانبهم...عند خالهم العمدة....أنا متفق مع خالهم في الخباثة عشان لما يوصلوا الشباب يستقبلهم عنده وكده يعني.... تخيل وجيه للحظات كيف سيكن وقع الخبر الغير معلن للآن على شباب العائلة ...يبدو أن الأمر سيتخلله بعض المرح ....خصوصا أن الفتيات تربوا بالريف وهذا نقيض مع البيئة المرفهة التي نشأ بها الشباب بهذا المنزل.....قال بجدية _ خلال أيام هيكون الشباب عرفوا موضوع القافلة والسفر للأرياف...بس تعرف يا بابا...هيوحشوني على ما يرجعوا... قال ذلك بابتسامة طفيفة وهو ينظر لساعة معصمه.... فابتسم الأب قائلا بمرح _ وأنا كمان....مش متخيل شكلهم لما يعرفوا اللي اتفقنا عليه أنا وأنت...بس المهم دلوقتي أنهم مايعرفوش غير أنهم هيسافروا ضمن قافلة طبية للأرياف وبس....وميعرفوش حد أنهم من عيلة الزيان وإلا كل ده هيروح على فشوش... انتهى ذلك الحديث بخروج وجيه من غرفة أبيه وصعوده... ومرت ساعات كثيرة حتى هلت أول ساعات الغروب.... استعد للذهاب... وبهدوء غرفة بالطابق الثاني والآخير من المنزل الكبير ....البعيدة عن جميع الغرف الأخرى...الخاصة برجل العائلة الأول..والأهم.. وجيه الزيان أمطرت ذاكرته الحمقاء سيل هائل من المشاهد مجددا ... وهو ينظر للنسخة الأخرى من الكتاب.... لن أبيع العمر ومن أعنف قصائده... ولأن الشوق معصيتي ويقف أمام المدفأة الڼارية بالغرفة والتي يلتهب بها الجمر للتدفئة .. وأي اختلاف يطلق بين أجيج صوت اللهب المسترسل من نيران المدفأة... وبين نيران تستعر بداخل قلبه منذ سنوات! يرفع خاتم كان يخص والدته قديما..وبلحظة چنونية ساذجة وضع اسما آخر عليه... كان ذلك منذ عشرة أعوام...ولم ينسى لحظة! كانت ذكراها تجسد
تلك المتشحة بالسواد الباكية في صمت بعيد عن ما حولها...والتي تلف يديها حول طفلة صغيرة لا تتعدى الخمس سنوات... قالت الممرضة بلطف _ تقدري تشوفيه بسرعة قبل الأشراف ما يجي...بس دقيقتين بالعدد..هدخلك بس عشان عياطك ده لكن أرجوك ما تتأخريش ومتجبليش الكلام..ده مش وقت زيارة أصلا.... انتفضت ليلى من جلستها وبين يديها