بغرامها متيم لفاطيما
لم يعرفهم أحدا فيه كي يستطيعا مدواة بعضهم البعض ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فمن المستحيل أن يترك عمران أبويه وهو ابنهم الوحيد لذلك كلما صال عقلها وجال تزداد الدموع سقوطا وحقا من يرى عينيها الآن يطلق عليها لقب مدينة الدموع ظل في أحضانها وهو يربت على ظهرها بحنو ويحثها بكلماته الراقية الناعمة لها أن تهدأ حتى شعر بانتظام أنفاسها ويبدو أنها غفت من كثرة الدموع التى أشعرتها بالثقل في رأسها فوضعها على الوسادة ودثرها بالغطاء بعناية ثم قبلها من رأسها ومن ثم عينيها المنتفختين بالبكاء ليقول لها بهدوء وهو يتعامل معها كما أنها طفلته الصغيرة التى يخشى عليها من نسمة الهواء أن تصيبها بالبرد
ثم قام من مكانه وهو يحمل أشياؤه وخرج من شقته وهو يشعر بأن هموم الدنيا تكومت فوق رأسه من حالتهم هو وزوجته ولكنها إرادة الله وما إن أراد رب العباد في شؤون عباده فما علينا إلا الحمد والرضا بما قضاه علينا
فور نزوله وجد والدته تجلس في بهو المنزل تمسك مسبحتها وبيدها ذاك الكتيب الصغير ويبدو أنها تقرأ اذكار الصباح وما إن شعرت بوجوده الآن ورأته قادما عليها حتى وجدت أنها أتتها الفرصة كي تتحدث معه وحدهم دون وجود زوجته أو أبيه
صباح الخير ياحاجة كيفك
ربتت على ظهره بحنو وردت صباحه
صباح الخير يا حبيبي
ثم أكملت وقد تبدلت معالم وجهها الباسمة إلى أخرى لائمة إياها
بس مش زينة خالص ياعمران وزعلانة منك انت ومرتك وشايلة في قلبي منيكم شيلة تقيلة قوووي ياولدي
ليه اكده ياحاجة إحنا صدر منينا ايه عاد يزعلك دي حتى ولا اني ولا مرتي نستجري نعملوها ياست الناس
إنت عارف اني بتكلم عن ايه بالظبط ما تلفش وتدور على زينب ياعمران انت فاهمني زين يابن بطني ليه تح رق قلبي عليك وتخليني كل عشية اقعد ادعي ربنا يعجل بالفرح ليك ولمرتك ولقلبي قبليكم وانت هتخبي علي إن مرتك تعبانة أمك مصعبتش عليك ياعمران وانت هتبلفها كل يوم والتاني بأي كلام علشان تريح راسك انت والحلوة مرتك !
لم يعرف أيحزن على حاله هو وزوجته وما قدره الله لهما أم على نفسيتها المدمرة أم على الح رب الضارية التي بدأت والدته الآن بشنها عليهم !
دلوك ساكت ومعرفش ترد علي ياعمران ولا بتشوف لك اي حجة تهدي بيها أمك تلك الكلمات الغاض بة التي ألقتها زينب في اذناي ولدها وما كان منه إلا أنه ردد بروح منهكة
انتفضت زينب وقد أصابها الڠضب الشديد من رده اللامبالي عليها وهدرت به
إنت هتجنني ياواد انت بردودك داي !
اوزن الكلام واعقله قبل ماتقول دي ولية خرفانة هقولها اي هري وخلاص
إنت ناسي سنك كام ياعمران
واسترسلت حديثها بصوت غليظ وهي تطيل الكلام بلسانها كي تجعله يتذكر عمره الغافل عنه
إنت عنديك ٣٦ سنة عارف يعني ايه ! يعني فاضل أربع سنين وتدخل الأربعين هتستني ايه تاني يا عمران وياريت حاجة ليها وقت محدد له دي يابني في علم الغيب
اندهش عمران من نبرة اليأس التي تتحدث بها ثم سألها بتخوف من حديثها
سيبك من إن كل حاجة بإيد ربنا وإن العبد ملهش يد في اللي مقدره ربنا عليه وأننا مطالبين بالرضا في الاول وبعدين السعي اني مطلوب مني ايه أعمله يا أم عمران علشان أرضيكي أو في يدي ايه أعمله ومعملتوش
هو حل واحد مفيش غيره تتجوز ياعمران نطقتها زينب
بفم متجبر دون أن تراعي وجعه على زوجته وعلى حالتها دون أن تراعي أنه رجل عاشق متيم بغرام امرأة في عينه أما وأبا وابنة وزوجة وأختا في عينيه بنساء العالم كلهم فنطق لسانه هو الآخر برفض قاطع كي يجعلها تفقد الأمل
لو مهخلفش خالص يا أمي مهتجوزش على سكون لو هعيش بطولي اني وهي طول العمر وما أرادش
ربنا مهتجوزش ولا هعاشر غيرها أصلك مفهماش حاجة عن ولدك كيف كان وكيف صار مفهماش إنها غير اي ست في الدنيا كلاتها فريحي بالك يستحيل لو اخر يوم في عمر عمران تدخل درة على سكون وأقهرها
رفعت حاجبها بغيظ شديد ولكن حاولت كظمه وهتفت بحزن عميق لم تستطع تخبئته
هتعصي امك ياعمران وتقهرني وتم وتني ناقصة عمر علشان عايزة اشيل عوضك على يدي عايزة أحفاد ليا من
صلب ولدي الوحيد
زفر أنفاسه بحنق شديد من إصرار والدته على ډم اره وزاده عليهم التوقيت ذاته في ذاك الحديث كأنها تريد أن توصل له رسالة واضحة وضوح الشمس في كبد النهار انها لن تتنازل عن حفيد لها فهو الآن يقف بين والدته وبين عشقه الأول والأخير بل والأبدي ثم حاول تهدئة حاله كي لايدخل النقاش منطقة العناد وهو يعلم والدته ومدى إصرارها فهتف محاولا إقناعها
طب نفترض ياحاجة أن اني بدال قبل أن يكمل كلمته التي فهمتها على الفور أشارت بيديها أمام فمه أن يصمت هاتفة بنفي مصاحب للقوة
متكملش افتراضك طالما مش موجود ومدخلهوش في الحوار من أساسه ولو عايز تفترضه ربنا شرع للراجل يتجوز مرة واتنين وتلاتة طالما قادر واحنا قادرين قوووي الحمد لله وطالما عادل واني سكون هحبها وهعتبرها كيف بناتي وربنا العالم مهسمحلكش تميل بكفتك وهشيلها على راسي من فوق ومهسمحش بإھانتها واصل لحد أخر نفس فيا
شتتت شمل قوته ودقت عليها بقوة ولكنه سألها
طب وهي يا أمي ذنبها ايه تتحمل وجود مرة تانية في حضڼ جوزها وانت ذات نفسك متحملتيش اللي عايزاها تتقبله وهديتي الدنيا وقومتيها مقعدتيهاش
شبكت كفاي يداها في الأخرى وعللت
اني غير مرتك اني مخلفة الولاد والبنات ربيت وكبرت وعلمت وسندت وياه كتف بكتف معنديش نقص في أي شئ علشان بوك كان يتجوز علي فطبيعي وقتها اني أثور وأقلب الدنيا وارفض اللي أني مستحقهوش
طب يا امي دي حياتي واختياراتي وأني بس المسؤول عنيها ماهو محدش هيت حړق غيري محدش هيتوجع غيري محدش هيدوق مرار الفراق اللي قلب ولدك ميتحملهوش غيري محدش هيجافيه النوم ويهجر لياليه الحرمان من روحه غيري عمران ولدك مهتلاقيهوش وقتها هيوبقى جسد بلا روح فمتحاوليش علشان وقتها هتتحسىري علي والراحة مهتدوقيش طعمها واصل وبدل ماللي انت بتخططي له علشان يسعدك ومفكراه هيسعدني هيوبقى غميق عليك قبل مايكون علي فكري في كلامي كويس وهتلاقي ان اللي قلته لك عين العقل والراحة لينا كلاتنا يا أم ولدك الموجوع واللي هتزودي وجعه أكتر وهتكملي عليه وهتدوسي بيد
من حديد
اني ماشي لشغلي ومتنسيش تطلعي للغلبانة المقهورة اللي فوق داي تطيبي خاطرها
ألقى كلماته وتحرك من أمامها ويبدو أن القادم سيكن ليس بأفضل على الإطلاق يبدو أنه يحتاج إلى قوة وصبر شديد كصبر أولى العزم كي يستطيع الوقوف بجانب سكونه نبض قلبه كي يخرجها من ظلمات الحزن الشديد ثم تصدي والدته وإكبات محاولة التفرقة بينه وبين سكون بزواجه من غيرها ولكن هي والدته ويحفظها عن ظهر قلب ويعلم مدى قوتها انها لن تستكين مهما كان ومهما سيكون ولكن ماذا إن فقدت الأمل في محاولتها معك عمران وحولت جبهة ح ربها مع سكون واستغلت تأثيرها كأم تريد حفيدا لولدها الوحيد على سكون
كل تلك الافتراضات التي عصفت بعقل عمران وجعله أمسك رأسه يدلكه وكأنه ينهاه أن يصمت عن فكره المهلك وهو يحدث نفسه وينهرها
اصمت أيها العقل وكف عن هرائك ذاك وتفتك ذرات الصبر داخلي
وأنت ياذاك اللسان دافع ولا تسمح للفراق ان يهزمك ويفقدك الأمل
وأنت يا ذاك القلب انبض بعشقها وتمسك بقربها وقف وقفة الفرسان في الدفاع عن أمانها
كل تلك الكلمات والأفكار التي ظلت تتهاوى بعقله ولكن تعب كلها الحياة فما عجب الا في ازدياد ابتسم لها برسمية شعرت بها ثم رد سلامها بما أزعجها
وعليكم السلام ورحمة الله دي تحية الإسلام يا أبلة سيبك بقى من شغل الغرب اللي اتعلمتيه هناك وشغل العيال الصغيرة دي انت خلاص كبرتي وبقيتي آنسة
زمت شفتيها للأمام بحزن مصطنع كما الأطفال ثم هتفت وهي تتذكر مامضي منذ أعوام وعينيها تلتمع ببريق الذكريات الجميلة
بس مهما كبرت هشوفني شمس اللي كانت بتقعد على رجلك وهي في ابتدائي وتشيلها ترفعها للسما وتنزلها وهي كلنا تتشعبط في رجلك ومتسيبكش إلا وأنت مكفيها طيران في السما
ذكرته بأيام شبابه وأيام جامعته وحياته التي قضاها في منزلهم كصديق لأخيها الذي ټوفي في عامهم الأخير من الجامعة إثر حاډثة سير
بالفعل كانت ما إن تراه تركض إليه وبالتحديد عندما كان يناولها الشوكولا المحببة إلى قلبها كي تتركهم ينعمون بوقت مذاكرتهم ثم تذكر معها تلك الأيام
أه وفاكر كمان لما كنت هرشيكي بالشوكولاتة علشان تحلي عن سماي اني وأخوكي الله يرحمه وتسيبينا نذاكر من زمان وانت غاوية تعب ليا يا بنت انت
ناولته كوب القهوة وهي تبتسم بحالمية لتذكرها أيام الطفولة وراق لها كلماته ثم تعمقت في الحديث معه
بس البنت كبرت لحد ما دخلت ثانوي وكنت اتجوزت فرح ودخلتوني معاكم في خناقاتكم اللي كانت مبتنتهيش
ثم ذكرته بشئ ما
طب طمني رحمة هديت ولا لسه
ارتشف القهوة بتلذذ فهي لديها نكهة مميزة بالقهوة منذ صغرها ثم شكرها على صنيعها
لساتك هتعملي القهوة زينة وسفرك لبرة منسكيش عمايلها
ابتسمت لشكره لها ثم هتفت بنبرة حماسية
بجد عجبتك ياماهر
نادته باسمه بتلقائية دون ألقاب فلم يعقب على ذلك ثم أجابها في سؤالها عن رحمة
كنت بتسأليني عن رحمة هي كويسة الحمدلله بتسألي ليه بقي المفروض انك تزعلي منها ولا ايه
سألها ذاك السؤال بدهاء كي يستشف ماورائها فأجابته
عادي علشان خاطرك استحمل بس ايه اللي عجبك في رحمة دي بالذات حساها مش لايقة عليك بصراحة ومتزعلش