رواية غرام بقلم ولاء رفعت
انت في الصفحة 1 من 26 صفحات
غرام بقلم ولاء رفعت
الفصل الأول
نسمات الصباح المنعشة والشمس ساطعة في سماء حي دار السلام بمحافظة القاهرة وفي إحدى الحواري الشهيرة يصدح من هذا المنزل القديم صوت الشيخ محمد رفعت الصادر من المذياع أعلي المنضدة في الردهة و المائدة الصغيرة التي تتوسطها وضع أعلاها صحن من البيض المقلي وآخر به الفلافل الساخنة ذات الرائحة الشهية وصحن ثالث به قطعة من الجبن الأبيض صوتها يدوي في الإرجاء تنادي علي أهل المنزل
خرجت من الغرفة شقيقتها التي تدرس في آخر صف بالثانوية العامة كانت تغلق زر كم القميص
بالله عليكي يا غرام أعمليلي ساندوتش طعميه وواحد جبنة أنا لبست ومش هعرف أحضر الساندوتشات
عقب شقيقها ذو الثلاثة عشر عاما
و أنا كمان يا غرام أعمليلي زي إبتسام و ضيفي ساندوتش بيض
هو فيه إيه ما أنا زيي زيكم وورايا شغل كمان و مستعجلة و عايزة أمشي مفيش حد منكم خلي عنده ډم و يقولي عنك يا غرام و تعملولي الساندوتشات
ابتسمت والدتها السيدة عزيزة امرأة في منتصف عقدها الرابع يبدو علي ملامح وجهها الذي يتميز بالشحوب إمارات التعب والمړض.
ربتت بحنانها الغادق علي كتف ابنتها
حبيبتي ربنا يخليكي ليهم أنتي سندهم و كمان هتبقي أمهم من بعدي
ربنا يديكي طول العمر و يباركلنا فيكي يا أم غرام بالله عليكي وأول وآخر مرة تقولي كدة
عقبت ابتسام بمرح
أنتم هتقلبوها حزن كدة ليه والله أنادي لكم علي طنط عدلات تيجي تضحكم
صاحت غرام مازحة
لاء أبوس إيدك دي بتاكل وداني من الرغي و تشيلني ذنوب الحارة كلها من النم عليهم الحمدلله أنا فطرت
تناولت حقيبة اليد خاصتها و حقيبة أخري ترتديها علي ظهرها أشارت إليها والدتها إلي الطعام
مش قادرة يا ماما ما أنتي عرفاني لما بكون جعانة باكل أنا يا دوب أشرب كوباية الشاي و هاروح ألحق أخد البضاعة من مدام رشا
و أنتي راجعة ماتنسيش تعدي علي أختك أحلام تطمني عليها وطيبي بخاطرها
زفرت بضيق وأخبرت والدتها
ليه محسساني إني قسيت عليها! يعني عاجبك عيشتها مع جوزها كل أسبوع يرنها العلقة و تيجي تغضب يقوم البيه يكلمها يضحك عليها بكلمتين و لا كأنه عمل فيها حاجة وتمشي من غير ما تقولنا و لا كأننا أهلها
طيب عشان خاطري روحي أتطمني عليها حتي من علي الباب و أرجعي أنا خاېفة ليكون المنيل سمير عمل فيها حاجة
لم تجد مفرا من طلب والدتها حيث لا ترفض لها أمرا فقالت علي مضض
حاضر يا ماما هاروحلها و بدعي ربنا إن ما شوفش خلقة جوزها لأن لو شوفته مش عارفة ممكن أعمل فيه إيه
أنا عارفة إنك عاقلة و مش هاتعملي كدة
أستأذن أنا بقي عشان أتأخرت سلام عليكم
صاحت شقيقتها وتركض خلفها
استني خديني معاكي يا غرام
رايحين فين تعالوا
عن إذنك يا خالتي عدلات متأخرة علي الشغل
أشارت لهما نحو باب منزلها
ما تتفضلوا تعالوا أفطروا
ردت ابتسام و تهم بالمغادرة
سابقناكي تسلمي
خرجت و تنفست الصعداء فقالت غرام إليها
خدي بالك من نفسك و أول ما ترجعي قوليلي
أومأت لها وبإجابة مقتضبة قالت
حاضر
ننتقل إلي مدينة الشيخ زايد حيث الفلل والقصور و المنازل داخل وحدات سكنية و بداخل الوحدة التي تشمل الفلل تقع فيلا عائلة الشريف رأفت الشريف رجل أعمال شهير وصاحب علامة تجارية مسجلة في مجال الملابس و ذلك أول حروف من أسماء ابنيه نور و يوسف فالأول يبلغ من العمر الثلاثة والثلاثون ربيعا متزوج من كاميليا عبيد التي درست معه في المرحلة الجامعية و جمع بينهما علاقة حب اكتملت بالزواج وانجبت الصغيرة الشقراء تولين ذات الثمانية أعوام.
بينما الثاني يوسف الذي يعيش عازب مدلل و السبب يعود إلي والدته السيدة منيرة و التي تبلغ منتصف عقدها الخامس كانت لا تدرك إنه قد أصبح رجلا راشدا ولم يعد الابن الصغير.
و في غرفة المائدة يتجمعون أفراد العائلة و علي رأس الطاولة السيد رأفت يبتلع قطعة الخبز الفرنسي بعد أن قام بدهنها بقطعة زبدة
لسه ما عرفتش حاجة عن اللي
بيقلد البراند بتاعنا و بيوردوا للمحلات
ألتفت إليه ابنه الأكبر نور وأخبره
أنا بعت رجالة للمحلات دي
و بيسألوا أصحابها عن المورد أو التاجر اللي بيشتروا منه البضاعة و علي بكرة بالكتير إن شاء الله هيكون عند حضرتك التقرير
انتبه رأفت إلي ابنه الآخر يوسف حيث كان شاردا في صحنه وآثار النوم مازالت علي وجهه ذو البشرة الحنطية
و أنت يا يوسف بيه عملت إيه في موضوع الدعايات
كان سؤال ساخر من والده مثل كل مرة
ربتت الصغيرة تولين علي ذراع عمها وتخبره ببرائتها
أونكل چو كلم جدو
انتبه إلي الصغيرة وكأنه استيقظ لتوه من غفوة فسأل والده
حضرتك كنت بتقول إيه
ابتسم والده هازئا
هاتسمعني إزاي صح و أنت قاعد زي المساطيل طبعا كنت سهران لحد الفجر زي كل يوم و لا كأن ليك أهل عايشين معاك
تدخلت منيرة لتوقف زوجها عن توبيخ ولدها المدلل
براحة يا رأفت عليه دي أول مرة يسهر من شهر و أنت من بعد ما شغلته معاكم و مطلع عينه في الشركة
حدق إليها زوجها بنظرة ڼارية قابلتها بعدم اكتراث
أهو دلعك الزايد ده ليه فسده و أنا عمال أصلحه وأشيله المسئولية ابنك يا هانم لسه تامم التلاتين سنة يعني المفروض كان متجوز و أب كمان
وكأنه استيقظ لتوه فأجاب علي والده
و أنا مش هيعيش زي ما حضرتك عايز دي حياتي و أنا حر فيها
نظر رأفت إلي زوجته يعاتبها بحدة
سمعتي يا منيرة هانم
تدخلت كاميليا لعلها تهدأ من الوضع المشتعل
معلش يا أونكل بالتأكيد يوسف ما يقصدش
نهض يوسف وصاح پغضب
لاء يا كاميليا أقصد هو عايزني نسخة من جوزك نعم حاضر و يبقي ماليش أي رأي و لا شخصية
نظر إليه شقيقه نور و قال معاتبا
شكرا يا يوسف
خالجه الحرج الشديد لما قاله للتو فأبتعد عنهم بخطوات سريعة نهضت والدته خلفه تناديه
يوسف يا يوسف
توقف فاستدار إليها
حضرتك عايزة تقوليلي حاجة أنتي كمان
لكزته في عضده وتنهره
أتلم أنا لو قلبت عليك زعلي وحش أوي أنا بنادي عليك عشان أقولك بعد ما تخلص شغل عدي عليا في النادي تسلم علي طنط راندا و ماهي بنتها
بدي علي وجهه الامتعاض والضيق
ماما ياريت تخرجيني من جو أصحابك و بناتهم خصوصا راندا و بنتها
يا سلام مش دي ماهي اللي كنت هاتجنن عليها وارتبطوا ببعض سنة و بعدين سيبتها من غير سبب!
أديكي قولتي كنت يعني فعل ماضي وانتهي ما ارتحناش مع بعض هي دماغها تافهة و عايزة واحد أتفه منها و أنا ماليش في الجو ده ياريت بقي تقفلي علي الموضوع و ما تفتحيهوش تاني
قد وصل ڠضبها إلي ذروته حدقت إليه بنظرة ڼارية قائلة بوعيد
براحتك و لو وقعت في مشكلة تاني أنا مش هقف معاك و لا أحوش ما بينك و بين أبوك
دنا منها وقام بتقبيل جبهتها فقال
و أنا واثق و متأكد عمرك ما هاتعمليها باي باي موني
غادر وتركها تشعر بالحنق فهي بالفعل السبب في عدم تحمله المسئولية و كم کرهت عتاب
زوجها و لومه الشديد لها كما تري في عينيه الآن نظرة ساخرة فبادلته بعدم مبالاة وصعدت إلي الأعلى.
و في الشارع الخلفي لمنزل عائلة غرام صوت المذياع مرتفعا فالشيخ يتلو آيات من سورة البقرة تحمل صغيرها وتضعه علي الأريكة
تزوجت أحلام منذ ثلاث سنوات بمن أحبته ويدعي سمير و هذا منذ خمس سنوات مضت كانت تبلغ عشرون عاما حينها كانت تعمل بائعة في الصيدلية والآن هي زوجته و أم ابنه محمد ذو العامين وينادونه باسم ميدو
تضع أمام طفلها الألعاب وتخبره
أقعد هنا و ألعب لحد ما أشيل الأكل وهاجيبلك الزبادي اللي بتحبه
ردد الصغير بسعادة
بادي بادي
قامت بتقبيل وجنته
هاكل خدودك المقلبظين يا روحي
وطي الراديو ده بدل ما أسقف لك علي خدودك أنتي علي الصبح
كانت صوتا رجوليا كالنشاز قاطع وصلة المرح بينها و بين صغيرها ألتفت إليه وقالت بامتعاض
جري إيه يا سمير من ساعة ما صحيت مش طايق نفسك وبعدين أنا معليه الراديو عشان القرآن خليه يملا الشقة بركة ويطرد الشياطين منها
اقترب منها فابتعدت خطوة إلي الوراء خوفا قبض علي عضدها وصاح يسألها
قصدك عليا أنا شيطان
ابتلعت لعابها وأخبرته پخوف وتردد
و الله ما قولت كدة أنا قصدي يطرد الشياطين اللي بتوقع ما بينا وبتخليك تتخانق معايا وتمد إيدك
عليا زي ما أنت عامل فيا كدة
نفض ذراعها وقال
أيوة زي أمك وأختك غرام كدة بالظبط كل ما
تروحي ليهم يقوموكي عليا كأني أكلت ورثهم و أنا مش عارف
لاء وأنت الصادق بتذل بنتهم و بتهينها ديما و مش بتتفاهم معاها غير بالضړب علي طول ياريتني ما كنت أتجوزتك يا أخي
جلس علي الكرسي أمامها ووضع ساق فوق الأخرى يخرج علبة السچائر من جيب قميصه القطني و القداحة يشعلها وينفث دخانا كثيفا يخبرها بتعجرف
و الله ما ضربتكيش علي إيديكي عشان تتجوزيني و أنتي عارفة طباعي كويس
أدركت ما يرمي إليه من أمر تحاول نسيانه منذ ثلاث سنوات تتمني أن يعود بها الزمن وتغير كل ما حدث لكن ما الفائدة من كلمة
ياليت كلمة ظاهرها ندم و باطنها حسرة وچرح لن يندمل.
اجتازت غرام مسافة كبيرة سيرا علي الأقدام حتي وصلت أمام متجر لبيع الملابس و مستلزمات المرأة وقفت قليلا تلتقط أنفاسها قبل أن تولج إلي الداخل تعلم ما ينتظرها كل يوم في الصباح و المساء...
سلام عليكم
ألقت التحية فأجابت السيدة رشا بتحية مماثلة ثم أردفت
جيتي في وقتك يا غرام المرة دي جايبة تشكيلة عبايات و فساتين هاي كوبي من براند مشهور العباية عندهم ممكن تعدي الألف جنيه لكن إحنا هنبيعها ب 300 وبس و تبقي شاطرة لو خليتي العرض اللي تاخد عبايتين يبقي ب 500 وعليهم طرحة وبندانة هدية
ترددت غرام أن تخبرها بما يدور في رأسها فهي تعلم خصال هذه المرأة الأربعينية تبدو أمام الناس مرحة و ذات قلب حنون لكن يظهر معدنها عند الڠضب لذا اكتفت الأولي بقول مقتضب
ما تقلقيش هاعمل زي ما حضرتك قولتيلي
ابتسمت الأخرى فأشارت إليها
طيب أقعدي إستريحي علي الكرسي ده عقبال ما أطلع أجيبلك الحاجة ونازلة
وقبل أن تتفوه غرام بكلمة رأت الفرح يتراقص في عينين رجب شقيق رشا هذا الشاب الثلاثيني الذي لا يعرف معني للمروءة والشهامة يعيش بغرائزه الحيوانية كما يحلو له يركض خلف كل ما هو صعب المنال و يزداد تشبثا إذا كان هذا المنال يتجسد في غرام الفتاة الشرسة أمام كل ضبع يظن إنها فتاة ضعيفة فبرغم إنها لا تمتلك جمالا ساحرا أو عيون ملونة بل ملامحها مثل أغلب الفتيات المصرية البشرة