رواية مزيج العشق بقلم نورهان محسن
ما زلنا في قصر البارون
بينما هم مجتمعون في الداخل.
نزلت نادين بغطرسة، ولفتت أنظارها تلك الضجة في غرفة استقبال الضيوف، والتي نادرًا ما يدخلوها.
مرت أمامها خادمة كانت قد خرجت لتوها من الداخل بعد أن قدمت بعض المشروبات والحلويات للضيوف.
أوقفتها نادين بإشارة من أصابعها قائلة بتعالي يتخلله الإستفهام: تعالي هنا ايه اللي بيحصل جوا مين اللي قعدين دول يا مروة؟
نادين همست بصد@مة، وتحدثت إلى نفسها بصوت مرتفع قليلا: من الصعيد.. وايه اللي جايبهم هنا؟
مروة بحيرة: علمي علمك يا هانم
نظرت نادين اليها في إزدراء، ثم أشارت إليها بتكبر لكي تغادر متمتمة: خلاص يلا روحي انتي شوفي شغلك
في الداخل
إستطرد بدر حديثه بابتسامة لطيفة تليق به: شوفي يا بنتي عارف انك بتسألي ازاي وصلنا ليكي وايه اللي جابنا من الاساس.. صدقيني احنا بقالنا سنين بندور عليكي وعلي الست ولدتك عشان نطمن عليكم ونعطيكي ميراثك من نصيب ابوكي بس ماكناش عرفين ارضيكم فين..
كارمن خفضت عينيها، وفركت يديها ببعض الحزن، وامتلأت عيناها بالدموع من ذكرى والدها الحبيب.
بدر بعطف: بلاش دموع يا بنتي اهدي واسمعيني
بدر بأسف: والله يا بنتي ما كنا نعرف حاجة عنكم دا اخويا الكبير واكتر واحد اتقهر علي فراقه كان انا..
تدخل أدهم في الحديث بحزم، وهو يحاول السيطرة على أعصابه بالضغط على قبضته، حينما لاحظ أن كارمن ترتجف ودموعها تنهمر بصمت: أأمر ايه المطلوب مننا بالظبط؟
تنفس بدر بعمق، حيث تأثر بشدة بدموع ابنة أخته، واستمر في حديثه: كل اللي طلبه منكم انكم تشرفونا وتيجو معنا الصعيد عشان كارمن تشوف جدها وتتعرف علي عيلتها هناك
حاولت كارمن الاعتراض، لكنه أوقفها بإيماءة صغيرة: قبل ما توافقي او ترفضي جدك خلاص في ايامه الاخيرة ونفسه فعلا يشوفك وتسامحيه قبل مۏته بلاش تقسي قلبك زي ماهو قسي قلبه زمان وعاش في ندم سنين طويلة يا بنتي
ربت أدهم على ظهرها بحنان، فنظرت إليه كارمن تفكر في هذا الموقف الذي وقعت فيه صعب جدا عليها، وهي في حيرة حقيقية الآن، لا تعرف ماذا تفعل، ثم نظرت إلى والدتها التي أومأت إليها لتوافق.
مرت بضع لحظات قبل أن تأخذ نفسًا عميقًا، لتهمس بصوت خاڤت: جوزي قدامك يا عمي يعني اذا وافق اسافر معنديش مانع
اعجب بدر بجوابها اللبق الذي يظهر الكثير من تقديرها واحترامها لزوجها، وأحس بالفخر من تربية أخيه لابنته.
بعد عدة ساعات في جناح أدهم
كانت كارمن جالسة على السرير، شاردة في قرارها بالموافقة على السفر غدًا إلى صعيد مصر، بعد أن شعرت بالفضول للتعرف على أسرتها، ورؤية جدها الذي ظل عمها يتحدث عنه طوال الجلسة، ثم عادوا بعد بضع ساعات إلى الفندق بعد أن اتفق عمها مع أدهم على السفر معهم في الصباح الباكر.
لا تنكر انها قد ارتاحت قليلا لعمها، فهو يبدو حنون للغاية ولكنها قلقة بشأن جدها الذي لا تعرف عنه اي شئ سوا كلام عمها عنه.
هل حقا يريد رؤيتها ويقبل بوجودها كحفيدته الآن، بعد كل هذه السنوات ؟
غدًا ليس ببعيد وستحصل علي إجابات لكل الأسئلة التي تعصف في عقلها الأن!!
شعرت كارمن بالأمان يحاوطها بوجود أدهم بجانبها، يساندها ويقويها بقوة شخصيته التي سيطرت على الموقف بشكل كامل، وفي نفس الوقت أعطها كل الحرية في الرفض أو الموافقة، وشعرت بالفخر والإعتزاز أمام عائلتها لكونها زوجته.
أدارت عينيها نحو باب الغرفة عندما انفتح، لترى أدهم يدخل بخطوات هادئة، ويحمل بين يديه ملك النائمة على كتفه بوداعه.
همس أدهم مبتسمً
ئا وهو يتجه نحو السرير، ويضع عليه ملك بهدوء حتى لا تستيقظ الطفلة: ملوكه هتنام معانا انهاردة
كارمن بدهشة: بجد.. بس كدا هتزعجك ومش هتعرف تاخد راحتك في النوم
استلقى أدهم بجانبهم على السرير، وكان يغطّي ملك ويضم اليه كارمن من جانب كتفها: ماتخافيش علي قلبي زي العسل..
ضحك أدهم، ليقول بصوت منخفض: دا انا اخدتها من مامتك بالعافية.. بس وجودها وسطنا مهم لسببين
همست كارمن تتساءل بفضول: ايه هما؟
أجاب أدهم بصدق، وهو ينظر في عينيها: اول حاجة عشان مش عايزك تحسي انك لوحدك انهاردة بعد اللي حصل وعشان انا كمان عايز احسكم جنبي وأدفي بيكم في حضڼي..
ثم أضاف، وهو يغمز لها بمكر: التاني بقي محتاجين نقوم فايقين الصبح بدري وانا مابقتش ضامن سيطرتي علي نفسي.. قدام الجمال دا كله يعني ملك هتبقي درع دفاعي ليا الليلة دي
ضحكت كارمن بخفة عندما فهمت ما يقصده، وهمست برقة وهي تضع يدها بجرأة على صدره: يعني بعد السيطرة الفولاذية دي كلها علي نفسك طول المدة اللي فاتت.. حبكت الليلة دي تحتاج درع دفاعي لنفسك
همس أدهم ببحة رجولية مٹيرة بجوار أذنيها: الاول كان ممكن لانك كنتي بعيدة دلوقتي انتي بين يدي الموضوع مختلف خالص
ازدردت كارمن ريقها بإرتباك من همسه الخطېر لها قائلة بصمود ضعيف: طيب روح غير هدومك عشان ننام ورانا سفر الصبح ويوم طويل...
في منزل مالك البارون
دخلت يسر إلى الشرفة الواسعة حيث كان زوجها جالسًا منذ بضع دقائق، وهي لا تعرف ماذا يفعل في مثل هذا الطقس بالخارج؟
يسر بإستغراب: حبيبي انت قاعد هنا ليه الجو بدأ يبرد دلوقتي؟
حرك مالك رأسه يجيبها بعقل شارد: حاضر حبيبي هدخل دلوقتي
جلست بجانبه قائلة بتسائل: انت كنت بتكلم مع مين من شوية!!
مالك بتفكير: دا ادهم..
تسألت يسر وهي تلوح بيدها أمام وجهه: ايه سرحت في ايه؟
رمش مالك بعينيه وقال بهدوء: بفكر في اللي طلبه مني
يسر بفضول: طلب ايه!!
اجاب مالك بحيرة: عايزني ابعت حد دلوقتي للصعيد يجيب معلومات عن اهل كارمن هناك
ضاقت عينيها بدهشة: اهل ابوها.. وبمناسبة ايه بيدور عليهم؟
مالك بتفسير: مش بيدور عليهم.. هما اللي راحو لحد عندهم.. عمها وولاده كانو عند ادهم في البيت وقابلو كارمن..
يسر بإستفهام: وهما عايزين ايه منها!
مالك: عايزنها تسافر معهم تشوف جدها هي وامها.. علي حسب كلام ادهم وهو عايز قبل مايوصلو هناك يعرف كل حاجة عنهم وايه اللي في نيتهم خير ولا شړ
يسر بإضطراب: ربنا يستر ويعديها علي خير انا بدأت اقلق
مالك بإبتسامة: خير ان شاء الله وكدا احسن الاحتياط واجب.. انا خلاص اتصلت برجالتنا وزمانهم اتحركو علي هناك
يسر بإبتسامة جميلة: تمام حبيبي ممكن بقي تقوم وندخل جوا انا تلجت مكاني
صباح يوم جديد مليء بالأحداث
في قصر البارون
في جناح ادهم وكارمن
استيقظت بعد أن غفوت لفترة وجيزة من التفكير فيما سيحدث اليوم !!
فتحت كارمن عيناها ورأت أدهم نائمًا، وملك في منتصف السرير بينهما وهو يعانقها بحماية، فابتسمت في شكلهم الجميل.
للحظة تذكرت هذا المشهد في نفس الموقف مع عمر اغمضت عيناها وهي تدعي من أجله بالرحمة في سرها، لولاه ما كانت لتتزوج من أدهم وربما كانت ستبقى ملك محرومة من الأبوة أيضًا، وحتى لو تزوجت بعد عمر، فمن يعلم هل كان سيحب ملك بقدر ما يحبها أدهم، انه لا يحبها فقط هو الذي يعتني بها ويعوضها عن فقدان والدها ويحافظ على ميراثها.
تلألأت الدموع في عينيها بالعاطفة، أليس هذا سببًا يكفيها لتقع في حبه، وتسعى وراء إسعاده بكل طاقتها أيضًا؟
من الآن فصاعدا لن تحرم ابنتها من حنانه بل لن تحرم نفسها من نعيم حبه المتدفق، ستترك مصيرها معه هو من يقودها، هذه نعمة من الله تدعي أنها تكون قادرة على الحفاظ عليها.
ابتسمت أكثر وهي تخفض عينيها إلى خاتم زواجها الذي يزين إصبعها، ثم تنهدت وهي تنظر إلى الساعة واقتربت من أدهم، وتقبّل خده وتهزه برفق قائلةً بصوت خاڤت: ادهم يلا اصحي
فتح عينيه بنعاس، وابتسم بلطف عندما رآها أمامه مغمغمًا بنعاس: صباح الخير
كارمن بإبتسامة: صباح النور.. اسفه اني صحيتك بس انت عارف ورانا سفر
ادهم بحب: احلي حاجة اني افتح عيني واشوفك قدامي.. عارفه ان شكلك حلو وانتي لسه صاحية من النوم
احمر خديها بسبب كلماته المغازلة التي جعلت قلبها ينبض بلا هوادة، ثم ابتسمت بمكر وهي ترفع حاجبيها، مذكّرة إياه بما قاله لها من قبل قائلة بدلال: والنبي صحيح يعني مش منكوشة وشبه الع@فاريت
ابتسم أدهم وهو يضيق عينيه قليلًا، وهو يربت برفق على خدها: قلبك اسود اوي مابتنسيش ابدا
كارمن بشقاوة: تؤ مش هنسهالك ابدا.. يلا بقي اتفضل قوم يدوب نلحق نفطر وننزل علي طول
ادهم بتساؤل: هي الساعه كام دلوقتي؟
أجابت كارمن برقة: سته ونص
تثاءب أدهم وقال بنعاس: محدش بيبقي صاحي من الخدم في الوقت دا.. ممكن نفطر بأي حاجة واحنا في الطريق
كارمن بإعتراض: لا لازم نفطر هنا الاول.. شوف انا هودي ملك لماما زمانها صحيت تصلي الفجر وجهزت نفسها.. هي هتلبس ملك وانا هحضرلنا فطار سريع علي ما تلبس انت
نظر إليها نصف عين قائلا بريبة، وهو يقرص طرف أنفها: هتعرفي تعملي فطار؟
رفعت كارمن أنفها عاليًا وقالت بثقة، وتكبر مصطنع وهي ترفع سبابتها محذرةً: انا هعتبر نفسي ماسمعتش الجملة دي لمصلحتك
أومأ أدهم برأسه متفقًا وهو يضحك على أسلوبها الفكاهي، ثم قبلها بحب على خدها، لتبتسم له بحبور، وتنهض من السرير وتحمل ملك بحذر وهدوء، لتخرج من الغرفة.
بعد بضع ساعات مرت في الطريق إلى قنا
أدارت كارمن رقبتها للوراء للمرة التي لا تعلم عددها، ونظرت إلى السيارة التي كانت فيها والدتها وطفلتها للاطمئنان عليهما.
أمسك أدهم بيدها، وقال بهدوء وتعجب: ممكن اعرف ايدك متلجة كدا ليه؟
كارمن بقلق: من التوتر
ادهم بإستفهام: وليه تتوتري!!
تحدثت كارمن محاولة إطلاق سراح ما يعصف في قلبها حتى ترتاح: ڠصب عني يا ادهم رايحة مكان لاول مرة في حياتي وهقابل ناس قرايبي معرفش الا حاجات بسيطة عنهم لولا وجودك جنبي انا كانت حالتي هتبقي اسوء من كدا
ضغط أدهم على يدها برفق قائلًا بحنان: الصبح بعد ما صحينا وصلني تقرير عن كل فرد له علاقة بعيلة الشناوي.. جدك راجل طيب ومحبوب في البلد.. مافيش منه اي خوف وانا مستحيل كنت هوافق تخرجي من البيت لا انتي ولا مامتك ولا ملك.. واخليكم تروحوا مشوار زي دا قبل ما ابقي متأكد بنفسي ان كل الامور تمام.